تاريخ اليونان والرومان في الشرق القديم

      أما قبل : فان لدارسة تاريخ الحضارات القديمة اثر كبير في توضيح مدى تقدم الامم السابقة وبيان الفروق الفردية في ذلك التقدم الحضاري بينها وبين حضارتنا نحن العرب ، واذ لابد لكل امة ان تفتخر بماضيها التليد , وتتباها بتاريخها وشخوصها ومنجزاتها فعندما تحل الشدائد وتتوالى المحن تستذكر ألامة امجادها السابقة لشحن الهمم والنهوض من الكبوات , والمضي قدما من جديد في ركب الحضارة والتقدم .

     اما بعد : فقد اخترنا حضارتين من حضارات العالم القديم ودمجها في حقل واحد للدراسة في هذا الكتاب الذي اسميناه ( تاريخ اليونان والرومان في الشرق الادنى ) نظرا لما شكلته الحضارتين من ثقل كبير ودور مهم في ترتيب الاحداث في العالم القديم  ، فضلا عن احداث تحولات عديدة في خارطة الكرة الأرضية انذاك , وقد رأينا انه من واجبنا كمؤرخان ان نقدم دراسة جديدة الى طلبتنا الاعزاء وقراءنا الاجلاء لانصاف هذه الشعوب القديمة والعريقة وبيان مالها وما عليها فصحيح ان هذا الموضوع قد تم تناوله مسبقا من قبل العديد من المؤرخين والمهتمين من العرب او الاجانب وخاصة الاوربيين حيث انه يشكل حلقة مهمة من تاريخهم القديم , ولكن الصحيح ايضا انه لابد من تقديم دراسة جديدة تزاوج بين ما كتب عن الموضوع قبل عقود وقرون وبين الاكتشافات والنظريات الجديدة التي وصلت الينا عبر اللقى الأثرية والنميات فضلا عن التحليلات البارعة لعدد من المهتمين والمؤرخين والتي تثبت مرة اخرى ان التاريخ علم بتطور- ويتحدث كما يتحدث – حاله حال العلوم الأخرى فربما سنرى كشفا جديدا يبطل اعتقادا سائدا ومكتوبا منذ عشرات القرون .

      ان هذا الكتاب يتخلص في اعطاء تصور للطلبة والقراء بأبرز التطورات السياسية والحضارية في مناطق الشرق الادنى خلال المدة الزمنية المتدة بين القرنين  5 – 6 ق.م  وحتى القرون الميلادية الاولى ، وتمكينهم من معرفة التأثيرات الحضارية المختلفة التي ترتبت على الوجود الاغريقي والرومان على سكان الشرق الادنى الاصليون , واخيرا تعريف والمام الطلبة بالتأثيرات الحضارية التي نقلها الاغريق والرومان الى مناطق الشرق الادنى وابرز المجالات الحضارية التي استفاد منها الشعوب الاخرى من خلال سيطرتهم لها .

    واتبعنا عند التاليف المنهج التاريخي في جمع المادة وترتيبها حسب الفصول ولكن القارئ سيلاحظ تكرارا في عدد من النصوص وجاء ذلك تبعا لتداخل الاحداث بين دولة واخرى وحسبما يتطلبه الموضوع . وكملاحظة هامة فاننا ننوه الى جميع القراء بضرورة مراجعة الحواشي والهوامش فانها قد احتوت على تعاريف مهمة للاماكن والشخصيات والمعارك الواردة فقد اقتضت المنهجية العلمية ذلك بالنظر لتزاحم اسماء الاعلام والاماكن الجغرافية خلال التاريخين اليوناني والروماني الطويلين .

    ان دراسة موضوعات متعلقة بالشأن الاجنبي وخصوصا تاريخ اليونان والرومان من الدراسات الشاقة والصعبة اذ انها تضم مسميات كثيرة من شخوص واحداث ومعارك واماكن فلا غرابة ان تحتاج كل تلك المسميات الى ضبط لغويوكتابي لها ، كما ان هذه المسميات ترد في كل مرجع بصيغة مختلفة ( مثلا : اسم الملك فيليب : فيليبوس و فيلب وفيليبس ) او (  الملك دارا : درايوس و درايوش ) او ( الملك : كورش : قورش و كوروش وسايروس ) .. الخ ولهذا تحتاج الى ضبط باللغة الانكليزية او اليونانية احيانا لحسم الامر